مر المسبار الفضائي المزدوج "بيبي كولومبو" BepiColombo ليل الأربعاء إلى الخميس على مقربة من عطارد في مهمة استطلاعية لموقع أصغر الكواكب وأكثرها شهرة في النظام الشمسي، تمهد لدراسته على نحو أفضل سنة 2026.
وكان تحليق "بيبي كولومبو" فوق سطح عطارد الرابعة من أصل ست رحلات فوق الكوكب ينبغي أن تنفذها المركبة الفضائية الأوروبية اليابانية قبل الوصول إلى هدفها. ويبلغ مسافة هذه الرحلة تسعة مليارات كيلومتر، وانطلقت في تشرين الأول/أكتوبر 2018 بواسطة صاروخ "أريان 5".
وأوضح عالم الفلك في مرصد "باريس-لي إس إل" Paris-PSL ألان دوريسونديرام لوكالة فرانس برس إنه عطارد "هو الكوكب الأقرب إلى الشمس، وي عد الوصول إليه الأصعب بالنسبة إلى مسبار ينشط بين الكواكب".
لكن ه ليس أبعد من المريخ، ويمكن الوصول إليه في أفضل الأحوال خلال سبعة أشهر. وتكمن المشكلة تاليا في أن إبقاء المسبار في مداره صعب، إذ أن كتلة عطارد الصغيرة تجعل جاذبيته ضعيفة جدا مقارنة بجاذبية الشمس.
وشرح عالم الفلك أن "كبح المركبة وتوقفها عند عطارد يتطلب طاقة أكبر بكثير من الذهاب إلى المريخ"، ومن غير المستبعد أن تتحول رمادا أو تضيع في النظام الشمسي.
وفي ذلك تكمن أهمية اعتماد طريقة المساعدة بواسطة الجاذبية، إذ تتيح للمسبار، عند مروره بالقرب من جرم سماوي، تسريع مساره أو إبطاءه وتعديله.
وبدأت مركبة "بيبي كولومبو" التي تزن أربعة أطنان رحلتها بالتحليق فوق الأرض والزهرة. وكان كل شيء يسير على ما يرام حتى نيسان/أبريل الفائت، عندما أدى حادث تغذية للمركبة بالطاقة الكهربائية إلى تعريض المهمة للخطر، إذ لم يعد محركها الأيوني يتمتع سوى بـ 90 في المئة من طاقته.
وأوضحت مديرة المهمة في وكالة الفضاء الأوروبية سانتا مارتينيز في بيان أن هذا المستوى "أقل من الحد الأدنى من الطاقة المطلوبة لإدخاله في مدار عطارد في كانون الأول/ديسمبر 2025".
ومذ اك، عمل المهندسون على تعديل مسار "بيبي كولومبو" لتمكينه من دخول مدار عطارد مع القليل من التأخير، وتحديدا في تشرين الثاني/نوفمبر 2026. وبناء على ذلك، عبر المسبار المزدوج خلال ليل الأربعاء إلى الخميس على بعد نحو 160 كيلومترا من سطح عطارد، أي أقرب بنحو 35 كيلومترا مما كان مقررا أساسا.
ويثير عطارد أقل قدر من الاهتمام في مجال الاستكشاف بين النجوم الصخرية الأربعة في النظام الشمسي التي تشمل أيضا الأرض والمريخ والزهرة. ولا يعود ذلك فقط إلى صعوبة الوصول إليه.
فهذا الكوكب الذي كان المسبار "مارينر 10" عام 1974 أول مركبة تحل ق فوقه، ويتميز بمشهد قمري لم ي ثر اهتمام العامة ولا الباحثين، إذ أظهروا افتتانا أكبر بالمريخ وبما كان ي عتق د أنه قنوات مائية عليه، أو بكوكب الزهرة، "توأم" الأرض.
وكانت "مسنجر" عام 2011 أول مركبة تدخل مدار عطارد لاكتشاف وتأكيد "أشياء غريبة إلى حد ما"، على ما وصفها دوريسونديرام.
هذه "الغرابات" تجعل عطارد، بحسب هذا المتخصص في سطوح الكواكب، "الحلقة المفقودة في علم الكواكب المقارن".
فمن جهة أولى، يتمتع عطارد مع كوكب الأرض بمجال مغنطيسي، ولكن لا يتوافر أي تفسير لكيفية محافظته على هذا المجال رغم قصر المسافة بينه وبين الشمس.
أما عنصر "الغرابة" الآخر، فيتمثل في نواة حديدية تشغل 60 في المئة من كتلة عطارد، مقارنة بالثلث فقط للأرض.
أما "التجويفات" غير المنتظمة واللامعة جدا، فهي ربما علامات تشير إلى نشاط جيولوجي حديث، أو إلى نشاط بركاني سابق.
وبالنسبة إلى طبيعة المعادن التي تغطي سطحه، فيبقى تركيبها لغزا، وقد يكون "شوهها" الإشعاع الشديد للشمس، ودرجة حرارة السطح التي تصل إلى 430 درجة مئوية أثناء النهار و -180 درجة مئوية في الليل.
وبالتالي، ثمة الكثير من الألغاز التي ستسعى الأدوات الست عشرة في "بيبي كولومبو"، ومنها مسبارا "إم بي أو" MPO التابع لوكالة الفضاء الأوروبية والثاني "إم إم أو" MMO التابع لوكالة الاستكشاف الجو ي والفضائي اليابانية، إلى فك رموزها من خلال الدوران حول النجم لمدة عام ونصف عام على الأقل.
0 تعليقات